الشفاعة
قال شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد: قول الله تعالى: {وَأَنْذِرْ
بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ
مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.
وقوله: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً } .
وقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } .
وقوله: {وَكَمْ
مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ
مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}.
وقوله: {قُلِ
ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ
فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ
الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}.
قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: "نفى
الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط
منه أو يكون عونا لله ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن
له الرب كما قال: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} .
فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده- لا يبدأ بالشفاعة أولا- ثم يقال له: "ارفع رأسك، وقل يُسمع، وسل تعط، واشفع تشفع".
وقال أبو هريرة له صلى الله عليه وسلم: "من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه ". فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله. وحقيقته أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص، فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه وينال المقام المحمود.
فالشفاعة
التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع،
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص". انتهى كلامه.
قال العلّامة السعدي رحمه الله في كتاب "القول السديد" :
المشركون يبررون شركهم ودعاءهم للملائكة والأنبياء والأولياء بقولهم: نحن
ندعوهم مع علمنا أنهم مخلوقون ومملوكون، ولكن حيث إن لهم عند الله جاها
عظيما ومقامات عالية، ندعوهم ليقربونا إلى الله زلفى وليشفعوا لنا عنده،
كما يتقرب إلى الوجهاء عند الملوك والسلاطين، ليجعلوهم وسائط لقضاء حاجاتهم
وإدراك مآربهم. وهذا
من أبطل الباطل، وهو تشبيه الله العظيم ملك الملوك الذي يخافه كل أحد،
وتخضع له المخلوقات بأسرها بالملوك الفقراء المحتاجين للوجهاء والوزراء في
تكميل ملكهم ونفوذ قوتهم.
فأبطل
الله هذا الزعم وبين أن الشفاعة كلها له، كما أن الملك كله له، وأنه لا
يشفع عنده أحد إلا بإذنه، ولا يأذن إلا لمن رضي قوله وعمله، ولا يرضى إلا
توحيده وإخلاص العمل له. فبين أن المشرك ليس له حظ ولا نصيب من الشفاعة.
وبين
أن الشفاعة المثبتة التي تقع بإذنه إنما هي الشفاعة لأهل الإخلاص خاصة
وأنها كلها منه، رحمة منه وكرامة للشافع، ورحمة منه وعفوا عن المشفوع له،
وأنه هو المحمود عليها في الحقيقة، وهو الذي أذن لمحمد صلى الله عليه وسلم
فيها وأناله المقام المحمود.